المعرفة الباطنيّة GNOSIS    

  تأليف  بوريس مورافييف 

 تعريب وتقديم وتعليق  د/ فؤاد رامز الناشر مكتبة مدبولي 

 
   

تقديم كتاب المعرفة الباطنية GNÔSIS

 

    استجابة لمتطلبات العصر الروحية، قدم بوريس مورافييف في كتابه المعرفة الباطنيّة دراسة متعمقة للمذهب الباطنيّ الموجود في أساس تقليد المسيحية الشرقية.

في فصل "تنبيه للقارئ" المعروض في رأس فصول الكتاب يحدد المؤلف مصادره فيقول:

 

     "إن الدراسة التي نقدمها هنا قد أخذت مباشرة من منابع التقليد المسيحي الشرقيّ:  أي من النصوص المقدسة، والتعليقات عليها، وخاصة تلك التعليقات التي تضمنها ذلك العمل الجامع الشامل الذي أطلق عليه اسم الفيلوكاليا، كذلك استقت دراستنا أخيرا من التعليم ومن النظم العملية المنقولة عن الأشخاص الذين خولت لهم رسمياً السلطة في ذلك".

 

   إن الذين قرأوا كتاب "شذرات من تعليم باطنيّ مجهول" أو Fragments d’un Enseignement Inconnu  لكاتبه ﭗ. أوسبنسكى سوف يكتشفون في كتاب المعرفة الباطنيّة GNÔSIS  مفاهيم ومصطلحات قريبة إليهم وقد عرفوها مسبقاً وذلك لأن المنبع واحد. بينما لا يحتوي كتاب أوسبنسكى، كما ينص عنوانه، إلا على شذرات من هذا التقليد.

 

  إنه الفضل الغير مسبوق لكتب بوريس مورافييف حيث تعرض - في الثلاث أجزاء لكتاب المعرفة الباطنيّة GNÔSIS - دراسة متكاملة ومنهجية لتلك المعرفة الباطنيّة عن الإنسان والكون والطريق. إننا لنجد فيها بالخصوص كشف الحجاب عن نظام الكون وتأديته لوظيفتة - والمعطى حتى اليوم في شكل رمزي ومحجوب - والمعطاة بطريقة مباشرة لتلبي احتياجات عصرنا.

 

   تمشيا مع طبيعة المعرفة الباطنية، صممت خطة هذا المؤلف تبعا لطبيعة التعليم الباطنيّ، في ثلاثة مجلدات، مثل التدرج المطبق في التعليم الوضعي في العالم:

 

   الدرجة الأولى، الدورة الخارجيّة مطابقة للتعليم الابتدائي، وهدفه أن يزود التلميذ بأداة العمل.

   الدرجة الثانية - المرحلة الوسطى - ("المعرفة الباطنية المجلد الثاني" لم يترجم إلى العربية )، مطابقة للتعليم الثانوي، وهدفها أن تمد التلميذ - الذي استوعب الدورة الخارجيّة - بالحد الأدنى من العناصر التي إذا استوعبت بدورها، يمكن أن تعطيه أساس قاعدة للتطور اللاحق لثقافته العامة الباطنيّة.

   الدورة الوسطى مقادة بطريقة أن تعطي للتلميذ الوسائل اللازمة للتعمق في المادّة المدرسّة، وهو ما سوف يسمح له بمواصلة الأبحاث في مجال العلم الباطنيّ المحض، مثل أي فرع من فروع العلم الوضعي المعروفة لديه.

   هذا المستوى مطابق لتتويج الدراسات الثانوية (البكالوريا، النضوج) ويفتح الطريق إلى التعليم العالي، وهي مرحلة تستلزم مشاركة فعاله من التلميذ.

   الدرجة الثالثة، الدورة الباطنيّة بمعناها الحقيقي ("المعرفة الباطنيّة المجلد الثالث" لم يترجم إلى العربية) مطابق بدقة للتعليم الوضعي العالي.

    وهذا الأخير متخصص دائماً؛ كما هو الحال بالنسبة للباطنية. ومثلما في العلم الوضعي تتضمن الغنوصيّة عدة قطاعات، الفروع المختلفة للمعرفة.

 

   عندما وضع المؤلف التعاليم - التي تشكل موضوعا للنقل الشفهيّ - في شكل مكتوب فإنه قد راعى بدقة متناهية، وبتحكم كامل، الشكل وتركيب العمل، وذلك باستخدامه ألفاظ دقيقة وواضحة. هذا الاهتمام بالشكل ممزوجا بالتحكم في المحتوى والجوهر، يشرح لنا منح الجزء الأول من كتابه المعرفة الباطنية جائزة فكتور اميل ميشيليه للأدب الباطني فور صدوره.

 

    في مرات عديدة قام بوريس مورافييف بشرح عمله والتعليق عليه كالتالي:

 

               "إن الدراسة المتعمقة للمذهب المعروض في كتاب المعرفة الباطنية GNÔSIS  مع الالتزام بالانتباه والدقة والاجتهاد المطلوبين كشرط لا غنى عنه مطلقاً، تزود الطالب بأداة  فعاله التي بواسطتها يستطيع أن يتعلم ويتفهم أشياء كثيرة عن نفسه بقدر تفهمه عن شبهائه وعن الكون الذي نعيش في حضنه. ويستطيع أيضا أن يكتشف في الكتب المقدسة، والمعروفة لدى الجميع، معاني متممة وأكثر عمقاً من كونها أكثر عموماً، والتي لا يستطيع في حالة تمسكه بشخصيّته الغير مطوّره  والغير متزنة أن يتناول ما هو أبعد من حَرفية تلك النصوص حتى إذا كانت قد نمت مَلَكات تلك الشخصيّة العقلية وتثقفت بالفن".

 

              " إن الطريق المعروض في كتاب المعرفة الباطنيّة GNÔSIS  (موصوف في بعض الأحيان بالطريق الرابع)، مُقدر له أن يعبر من داخل العالم، أي بمعنى أنه يعبر وسط صعوبات خارجية أو داخلية لا تحصى ولا تعد. إن المنهج المكشوف عنه هو منهج نفسيّ للعمل الباطنيّ وهو ما يمكن أن يطبقه أي إنسان بدون تمييز عِرْقيّ، أو طبقيّ أو جنسيّ أو  ثقافيّ".

 

    لقد فهمنا أن كتاب المعرفة الباطنيّة ليس بكتاب أبحاث أو تنقيب، مع علمنا أنه يحتوي جزء هام من المعرفة الخاصة بالإنسان والكون. إنه يكوّن أداة ومنهج عمل ثمينان جداً لكل المتلهفين بشراهة للفهم والاستيعاب والمعرفة والذين بالأمس لم يقوموا بغير المجاهرة بالعقيدة الدينية.

 

    غير أن، حدود المعرفة الباطنيّة GNÔSIS  لا تقتصر على نشر المذهب التلقيني المسيحيّ (مذهب التلمذة أي Doctrine Initiatique Chrétienne) وتحويله إلى مصطلحات مفهومة ومناسبة للعصر الذي نعيش فيه. مرتبطاً بحقبته، والتي هي حقبتنا أيضاً، والتي تواجه الإنسانيّة فيها منحنى فاصل في تاريخها، فإن المؤلف مقاض إلى أن يقول أنه "رويداً رويداً أصبحت الباطنيّة مسألة عامة".

 

    لقد أوسع المؤلف مجال دراسته إلى "تطبيق المعرفة الباطنيّة في جميع مجالات الحياة" وقدم اقتراحات خاصة في مجالات السياسة والاقتصاد والدين والاجتماعيات والأسرة.

 

    لقد أعطى المؤلف مكاناً هاماً للأزواج les couples   بالنظر لهما من وجهة النظر الباطنيّة. إن المعرفة الباطنيّة GNÔSIS  في الواقع هي من أندر المؤلفات التي تعالج "الطريق الخامس" طريق الكائنات المستقطبة les êtres polaires. إن الرسالة المنقولة بواسطة بوريس مورافييف والتي نشرت منذ أربعون عاماً لتساعد الإنسانية في الخروج من أزمتها الحقيقية والتي لا تزال شائكة حتى يومنا هذا.

 

    من أجل ذلك قام المعرّب، بموافقة واعتماد المؤلِف لما رآه في المترجم من مؤهلات واستعدادات تؤهله لهذه المهمة الشاقة والدقيقة، بترجمة الجزء الأول من كتاب المعرفة الباطنيّة ليقدم إلى القارئ العربي أقرب وأصدق وأصح تعريب لمفهوم الغنوصية أو المعرفة الباطنيّة.

 

الصفحة التالية

 

 

 

 
       
       
           

This Page is built by SB technology